كنوز ودفائن الماضي
اهلا وسهلا بالزوار الكرام بمنتدى ..... كنوز ودفائن... الماضي
تشرفنا بكم ...بتسجيلكم نفتخر وبمشاركاتكم نرتقي
كل ما نملك من معلومات بين يديكم فاهلا وسهلا بكم
تفضلو بالتسجيل وشاركونا باقلامكم
كنوز ودفائن الماضي
اهلا وسهلا بالزوار الكرام بمنتدى ..... كنوز ودفائن... الماضي
تشرفنا بكم ...بتسجيلكم نفتخر وبمشاركاتكم نرتقي
كل ما نملك من معلومات بين يديكم فاهلا وسهلا بكم
تفضلو بالتسجيل وشاركونا باقلامكم
كنوز ودفائن الماضي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

كنوز ودفائن الماضي

منتدى متخصص بالمورث الانساني الملموس
 
الرئيسيةالأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول
.من اجل تحليل اشاراتكم . صور واضحه شرح وافي عن المكان.
من باب الحرص على الموروث الحضاري وتماشيا مع القوانين المتبعه تنوه اداره المنتدى وتلفت انتباه الاعضاء الكرام بالمشاركه في الحفاظ على هذا الموروت وعدم تخريب المواقع الاثريه وعدم المساس بالاشارات الموجوده لتكون ورثا لاحفادنا ....نشكر حسن تعاونكم
الدوله العثمانيه والتركيه Support

 

 الدوله العثمانيه والتركيه

اذهب الى الأسفل 
3 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
ارام
عضو شرف مميز
ارام


عدد المساهمات : 2391
نقاط : 2955
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 10/04/2013
العمر : 54
الموقع : الاردن

الدوله العثمانيه والتركيه Empty
مُساهمةموضوع: الدوله العثمانيه والتركيه   الدوله العثمانيه والتركيه Emptyالثلاثاء أبريل 16, 2013 5:27 pm

الدولة العثمانية والحضارة العثمانية


أمضى العثمانيون قرابة قرنين من الزمن حكمهم خلالها ثمانية من السلاطين قبل أن يولوا وجههم شطر البلاد العربية .

وكان العثمانيون قد زحفوا على أوروبا في القرن الخامس عشر الميلادي . وهم كأسلافهم السلاجقة من الجنس المغولي ومهدهم الأصلي وسط آسيا وشمالها .

جاء العثمانيون إلى الشرق العربي فاتحين عسكريين ، بعد أن كانت أسرة آل عثمان قد أقامت دولة تشغل المساحة الممتدة ما بين أقصى الأناضول في الشرق وأقصى البلقان في

الغرب ، وبعد أن تشكل داخل تلك الدولة خلال القرنين الرابع عشر والخامس عشر تركيب بشري مميز الهوية ، من تفاعل قبيلتهم مع غيرها من القبائل التركمانية المسلمة في الأناضول وجماعات غير قليلة من اليونان والعرب والبلغار .

بحيوية وطاقة لا حدّ لهما خلال قرنين ، جمع العثمانيون بقايا إمبراطوريتين : العربية _ الإسلامية والبيزنطية ليوحدوهما ويشكلوا إمبراطورية جديدة سيطروا عليها قرونا عدة ، هي الإمبراطورية العثمانية المكونة من طائفة من الإمارات المسلمة ، واليونانية ، واللاتينية ، والسلافية الناشئة عن تفكك الدولتين السلجوقية والبيزنطية .

ولكن لا جغرافية هذه الإمبراطورية ، ولا شعوبها ولا لغاتها ، ولا تاريخها ولا حضارتها يمكن وصفها بأنها تركية أو تسميتها تركية ، وإنما عثمانية .

فإذا كان يقصد بالحضارة على أنها مجموعة المميزات أو المشخصات المادية لمجتمع ما ، يعلاالثقافة التي هي مجموعة المميزات الروحية لشعب ، فإننا نجد حضارة عثمانية واحدة ، متفرعة عن حضارة أوسع تشمل أو تضم مجمل المناطق والأقاليم التي تتألف منها الإمبراطورية .
لقد أحيت الإمبراطورية العثمانية مجتمعا متعدد القوميات .
هذا المجتمع كان يملك من الثقافات بقدر ما كانت الإمبراطورية تضم من أوطان ومن قوميات قيد التكوين .

من الإمارة إلى الإمبراطورية
بصفتهم بناء إمبراطورية ، واجه العثمانيون جملة عقبات مهمة لا يستهان بها ، لم تكن الإمبراطوريات السابقة قد عالجتها إلا جزئيا فقد كان عليهم إقامة حكم فعال في محيط

جغرافي مأهول من قبل تشكيلة كبيرة من الطوائف الدينية والمجموعات الإثنية ، إضافة إلى العديد من الثقافات الفرعية المنبثقة عن هذه التجمعات المتوطنة في جيوب بيئية منيعة ووعرة .

وقد كان يتوجب عليهم أيضا جعل قبائل البدو والسكان الحضر يتشاركون في بناء هدف مشترك ، مع ما يرافق ذلك من اختلاف في التفكير وطرائق وأساليب العيش .

وقد كان يترتب عليهم أيضا التوفيق ما بين مقتضيات الضرائب الإمبراطورية من جهة ، واستقلالية الأسياد المحليين ، الذين غالبا ما أبقاهم العثمانيون في مناصبهم بعد ضم أراضيهم إلى الإمبراطورية ، من جهة أخرى .

أما أهم وأصعب العقبات فكان يتمثل بإيجاد وسيلة ناجعة لإنجاز عملية تكامل ملايين المواطنين المسيحيين في إمبراطوريتهم .

يبدو أن آل عثمان قد نجحوا هنا أكثر ممن سبقوهم في بناء الإمبراطوريات . هذا النجاح يعود في المقام الأول إلى قدرتهم على بناء طبقة من الموظفين العسكريين ، يدينون بالولاء الكامل للسلالة الحاكمة .

هذه الهيئة الحاكمة أي طبقة الموظفين كانت تسمى (القولاري أو عبيد القصر) ، وكانت في معظمها من أصول مسيحية المنزوعين عن أهلهم بين سن العاشرة والخامسة عشرة ، إضافة إلى مسلمي البوسنة وهم يتحدرون من جماعات مسيحية ، وكانوا قد اعتنقوا الإسلام إبان فتح البوسنة ؟

إن ولادة الحركة الصفوية الشيعية المتمردة دفعت العثمانيين إلى الشرق . والصفوية هي حركة دينية مؤسسها الشيخ صفي الدين الأردبيلي (1252 _ 1334) . وعندما تولى رئاستها إسماعيل الصفوي تحولت إلى نظام سياسي بعد أن أعلن نفسه شاها لإيران عام 1501 ، واتخذ من تبريز عاصمة له .

حاول الصفويين نشر المذهب الشيعي في آسيا الصغرى . وقاموا باضطهاد السنة في فارس والعراق . تصدى لهم السلطان سليم الأول وهزمهم قرب تبريز ، واستولى على ديار بكر وكردستان . وكان ذلك مقدمة لفتح الشام ومصر عام 1516 بعد انتصاره على

المماليك في مرج دابق ، ولدخول السلطان سليمان القانوني العراق عام 1533 . وكان الصفويون قد عقدوا تحالفا مع البرتغاليين في المحيط الهندي ضد التواجد المملوكي ثم العثماني ، وأقاموا فيما بعد ، روابط مع الحلف المقدس الذي أقامه البابا سنة 1683

لوقف التوسع العثماني في أوروبا . لقد اعتبرت السلطة الإمبراطورية الحركة الشيعية المتطرفة في الأناضول بمثابة الطابور الخامس ، الذي يشكل خطرا على وحدة وسلامة

الإمبراطورية . فلجأت إلى فرض الإسلام التقليدي السني في آسيا الغربية ، وفيما بعد في كل الأراضي التي سوف تنضم إلى الإمبراطورية العثمانية .

وبشكل مواز ، فإن إعطاء البطريريكية الأرثوذكسية سلطة قضائية ، روحية ووطنية ، بمعنى أو بآخر ، كان يشكل ضرورة حكومية وجوابا لمنطق الإدارة المركزية . ففي تقرير سري أرسله الكاردينالBenoit _ marie Langenieux في 19 كانون الثاني

1893 إلى البابا ليون الثالث نتيجة لمهمة كلفه بها الحبر الأعظم في الشرق ، نقرأ التالي : " . . . لذلك ، إن الشعوب الشرقية ، متمسكة إلى أبعد الحدود بالمكانة والاعتبار اللتين يتمتع بهما بطاركتهم ، إن البطريرك ، بالنسبة لشعبه ، لا يمثل فقط أعلى سلطة دينية ،

وإنما يتمتع أيضا ، بسلطان واسع في شؤون الحياة المدنية . إن أحكامهم في بعض القضايا المدنية ، وفي كامل أراضي الإمبراطورية الواسعة ، نافذة مثل أحكام ولاة المقاطعات ،

لذلك فإن الشرقيين يعلقون أهمية بالغة على الطريقة التي تتعامل بها الكنيسة الرومانية مع بطاركتهم ، الذين تتجسد فيهم مصالح وامتيازات الأمة ................. إن مسألة الطقوس وثيقة الارتباط بالقضية القومية ..

لسنا هنا بصدد نقاش لاهوتي ، فالقضية اليوم تطرح على الصعيد الإنساني أكثر مما تطرح على صعيد المنافع العملية" .

منذ ذلك الوقت ، أصبحت الإمبراطورية العثمانية ، بالنسبة لسائر الأوروبيين ، قوة عظمى ، بل حتى وبفضل توسعها ، قوة أوروبية لا يستهان بها . وصارت إقامة علاقات سياسية معها ضرورة ملحة بالنسبة لسائر القوى الأوروبية .

منذ نهاية القرن السابع عشر ، أدخلت القوى العظمى الإمبراطورية العثمانية في لعبة التوازن الغربي . بلغ نظام التوازن هذا مداه منذ اللحظة التي أصبحت فيها الإمبراطورية عنصرا مهما في السياسة الدولية ، رغم التباينات الدينية والثقافية والحضارية . بين سياسة

الحروب الصليبية وسياسة التقارب ،كان التوازن صعب التحقيق ، ولكن تنافس القوى العظمى جعل بقاء " رجل أوروبا المريض " ضروريا لاستمرار التوازن الأوربي . وبهذا الخصوص يقول المؤرخ الكبير توينبي بأن "المسألة الشرقية المزعومة " هي في الواقع مسألة غريبة .

وقد وُلدت برأيه نتيجة الخلل الذي أصاب الحضارة الإسلامية . وهو يعتبر أن التعصب الطائفي هو الذي أملى على القوى العظمى مواقفها تجاه الإمبراطورية العثمانية بشكل عام . هذه المواقف التي استندت إلى ثلاث نقائض مزيفة أو خاطئة أو غير صحيحة : مسيحية _ إسلام ، أوروبا _ آسيا ، حضارة _ بربرية .

أما المفكر الفرنسي مكسيم رودنسون فكتب يقول : " من المدهش ملاحظة أن موقف العالم المسيحي تجاه العالم المسلم (ربما هو بناء سياسي _ أيديولوجي) شبيه بموقف العالم الرأسمالي الغربي تجاه العالم الشيوعي .

إن عالم الإسلام هو قبل أي شيء بناء سياسي أيديولوجي معاد .
ولكنه أيضا حضارة مختلفة وعالم اقتصادي مجهول " .

الحاضرة العثمانية
مقدمة :
مثل كل الإمبراطوريات المتعددة القوميات ، السابقة لظهور الدول القومية ، شكلت الإمبراطورية العثمانية كيانا مختلفا نوعيا عن كافة الأجزاء التي تتألف منها . ومن العبث فهم هذا الكيان من دون الدراسة الدقيقة لكل جزء من أجزائها . إن التاريخ التركي ،

اليوناني ، الأرمني ، الكردي ، العربي، اليهودي ، البلقاني ، الشرق أوسطي ، المسلم والمسيحي ، أي منهم لا يعطينا إلا صورة جزئية لهذه الحاضرة _ الكيان .

إن الميثولوجيا التاريخية ومن أجل تأكيد الخصوصية القومية لكل شعب خرّبت عمل المؤرخين العرب والمؤرخين البلقان ، وشوّهت تماما تاريخ الإمبراطورية العثمانية .

ففي ذلك العصر كان تأثير المحيط الجغرافي وطرق العيش في تكوين شخصية الشعوب أهم بكثير من تأثير الأصول الإثنية والدينية . وبهذا الصدد يقول كمال الصليبي مثلا : ".

. . فهناك الأساطير التي تتحدث عن انتفاضات "الشعب اللبناني" أو "الشعب العربي في لبنان" ضد جور المماليك وبني عثمان في العصور الإسلامية المتأخرة ، فتعزو ظهور أولى البوادر التاريخية للكيان اللبناني للبنانيتهم ، أو لعروبتهم ، في الزمن الذي كانت

البلاد العربية خاضعة فيه لحكم الأتراك . وهو زمن لم يكن فيه بالحقيقة وعي في هذه البلاد لأي نوع من الانتماء القومي بالمفهوم الحديث ، وإن كان فيه قدر من الوعي (للفارق العنصري بين الأتراك والعرب)" .

فلنلاحظ أولا أن فكرة الخلافة ، كمؤسسة جامعة لكافة المسلمين ، لم يعد لها مقومات الاستمرار ابتداء من أوائل القرن السادس عشر ، عام 1501 بالذات ، أي منذ قيام الدولة الصفوية في إيران .

ذلك أنه منذ اعتماد الصفويين التشيع الإثني عشري مذهبا رسميا للدولة ، تحوّل العاهل الإيراني ، من وجهة النظر الدينية ، إلى رئيس روحي وزمني معا ، عليه أن يحكم بالاتفاق مع علماء الدين ومن واجبه حفظ الشريعة ونشر الإسلام .

إن ارتباط العاهل بالبنية الشيعية في إيران هو عنصر ملازم للتاريخ الإيراني منذ بداية عهد الصفويين .

وهذا ما يتناقض مع جوهر المؤسسة الخلافية . فالإسلام هو دين ودولة ، وليس هذا القول من ابتكارنا ، بل يقوله جميع علماء الإسلام ومؤرخيهم . والخلافة على ما يقول ابن خلدون هي "حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي ، في مصالحهم الأخروية والدنيوية

الراجعة إليها إذ أحوال الدنيا ترجع كلها عند الشرع إلى اعتبارها بمصالح الآخرة ، فهي في الحقيقة خلافة عن صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسة الدنيا به " .
وهذا ما دعاه إلى القول : "بأن الخلافة الخالصة كانت في الصدر الأول ، إلى آخر عهد علي ، ثم صارت إلى الملك" .

والفقيه الكبير الماوردي أعطى نفس التعريف للخلافة وذات الوظيفة ، ولكنه أكّد على وجوب إجماع أمة الإسلام لتحقيق الخلافة . حتى الشيخ علي عبد الرازق ، الذائع الصيت لقوله بعلمنة الإسلام ، لم يتردد في القول : " إن يكن الفقهاء أرادوا بالإمامة والخلافة ذلك

الذي يريده علماء السياسة بالحكومة ، كان صحيحا ما يقولون : من أن إقامة الشعائر الدينية وصلاح الرعية يتوقفان على الخلافة ، بمعنى الحكومة ، في أي صورة كانت الحكومة ومن أي نوع " .

بدأت الشيعية ومنذ انطلاقتها حركة سياسية أكثر منها حركة دينية . لقد ظهرت كتعبير عن المعارضة السياسية لقيام الدولة الأموية أساسا وفيما بعد لقيام الدولة العباسية . إلا أن الإسلام العربي استطاع أن يحافظ على وحدته وتجانسه وذلك بفضل التسامح الديني الذي

ابتكره ، والنزعة الإنسانية غير محدودة التي اتسم بها والتي نجم عنها عدم وجود نظام كهنوتي ، هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى ، فقد لعب الشيعة العرب دورا مهما أيضا في

الإبقاء على وحدة وانسجام الإسلام العربي : إن معضلة التوفيق بين معارضة الدولة الإسلامية من جهة وعدم الخروج من الإسلام من جهة أخرى أدت بالإسلام الشيعي إلى تبني تقليد سياسي راسخ يقوم على أساس تبرير الخضوع لسلطان الدولة . هذا التقليد يقوم

على انتظار الإمام الغائب الذي سوف يظهر ليقيم "حكم الله" . فالحكم الوحيد الصحيح هو حكم إمام الزمان ، وكل الحكومات الأخرى قائمة على الغصب والباطل ، لذلك لا يمكن القبول بأية حكومة أو سلطة أخرى . ولا يجوز الإسهام في أي كفاح سياسي أو اجتماعي إلى أن يختار الإمام الغائب الظهور .

بناء على ذلك كان ظهور الدولة الصفوية في إيران تهديدا قويا لوحدة مؤسسة الخلافة الإسلامية ، وقد أحدث ذلك انقساما شبيها بالانقسام الذي عرفته الكنيسة المسيحية عام

1054 ، وأدى إلى انقسام العالم المسيحي إلى كنيسة شرقية وكنيسة غربية . وعلى غرار الدولة البيزنطية ، سوف يحدد العثمانيون عقيدة الدولة الرسمية : الإسلام السني التقليدي ، الذي سوف يستمر حتى نهاية أيام الإمبراطورية .

ولنلاحظ ثانيا ، أن القصة التي تقول بأن الخليفة العباسي المتوكل قد تخلى عن اللقب لسليم الأول وخلفائه هي قصة يعوزها الكثير من الدقة والموضوعية .

ولنلاحظ ثالثا أن العلماء المسلمين لم يعترفوا إلا فيما بعد بشرعية إضفاء لقب خليفة على السلاطين العثمانيين . إن أول وثيقة تاريخية تحدث عن السلطان العثماني باعتباره خليفة المسلمين هي معاهدة "كوجك كينارجه" مع روسيا سنة 1774 _ "وهو إدعاء أقره الروس وإن لم يقره الفقهاء المسلمون" .

في الواقع منذ بداية القرن السادس عشر ، تاريخ دخول آل عثمان إلى مصر، كان العثمانيون هم الجبهة الوحيدة القادرة على المطالبة بلقب الخلافة .

لكن أحدا من هؤلاء السلاطين لم يدّع هذا اللقب أو يلجأ إليه لتبرير سلطانه حتى مجيء السلطان عبد الحميد الثاني ، والذي فعل ذلك لأسباب سياسية بحتة . إذن ليس في التاريخ العثماني ما يبرر النظر إلى السلطنة كوريث لدولة الخلافة .

فقد كان هدف آل عثمان توسيع رقعة أراضيهم عن طريق القوة العسكرية . وأدى ذلك طبعا إلى نشر الإسلام أحيانا في البلدان المفتوحة كالبلقان مثلا ، ولكن ذلك كان نتيجة وليس سببا للفتوحات . كما أن تلك الفتوحات تشكلت في المناطق المسيحية ومن عناصر مسيحية ، سواء عن طريق تجنيد مباشر للمسيحيين أو عن طريق المعونة التي كان يقدمها الحلفاء المسيحيون في البلقان .

1 _ النطاق الجغرافي للحاضرة العثمانية
غطّت الإمبراطورية في أقصى اتساعها ، نحو نهاية القرن السابع عشر ، مساحة واسعة من غربي القارة الأفريقية . قبل بداية القرن السادس عشر ، كانت أراضي الإمبراطورية موزعة بالتساوي على شبه جزيرتين : شبه جزيرة البلقان وشبه جزيرة الأناضول . بعد هذا التاريخ توسعت أراضي الإمبراطورية أساسا نحو الجنوب وفي اتجاهين : نحو شبه الجزيرة العربية ونحو شمال أفريقيا .

المجال البحري للإمبراطورية شكل جزءا كبيرا من مجمل مساحة الإمبراطورية :
كامل الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط بما في ذلك الجزر اليونانية ، وكامل البحر الأسود ، الذي تحول إلى بحيرة عثمانية .

أما المجال القاري فكان يتكون من الآتي :
(أ‌) نحو الغرب ، كامل الجهة الجنوبية من الحوض الغربي للبحر الأبيض المتوسط ، باستثناء المغرب .
(ب‌) نحو الشرق ، ثلثا القسم الغربي من بحر قزوين ، بما فيه ساحل داغستان .
(ت‌) نحو الجنوب الشرقي ، نصف الضفة الغربية من الخليج العربي .
(ث‌) وأخيرا نحو الجنوب ، الضفة اليمنية من المحيط الهندي وتقريبا مجمل ضفاف البحر الأحمر ، يعني كامل الشاطئ العربي حتى خليج عدن ، وكامل الساحل المصري والسوداني والقسم الشمالي من أثيوبيا .

إن المنطقة التي تضم الأناضول والبلقان كانت تشكل نقطة المركز للنطاق القاري للإمبراطورية ، أما أطراف الإمبراطورية فكانت موزعة دائريا على الشكل التالي حسب دوران عقارب الساعة : هنغاريا ، رومانيا ، بسارابيا ، أوكرانيا ، القرم ، القوقاز ، أرمينيا ، أذربيجان ، كردستان ، العراق ، سوريا ، سواحل شبه الجزيرة العربية ، مصر ، ليبيا ، تونس والجزائر .

قلب الإمبراطورية كان ينبض بين بحر إيجه والبحر الأسود ، ضمن المثلث المؤلف من المدن الثلاث الكبرى : سالونيك ، وأزمير ، واسطنبول التي كانت عاصمة الإمبراطورية العثمانية .

2 _ النطاق البشري أو الديموغرافي للإمبراطورية العثمانية
نكرر القول ، أن الإمبراطورية العثمانية كانت دولة ما قبل قومية ، والمفهوم الحديث لكلمة وطن لم تكن معروفة ، كل تنظيم المجتمع كان قائما على الأديان أو الملل ، مثلها في ذلك مثل جميع الإمبراطوريات السابقة .

إن تقسيم المجتمعات الماقبل قومية إلى طوائف دينية لم يكن صفة خاصة بالعثمانيين . جميع الإمبراطوريات السابقة اتبعت عادة إعطاء الجماعات الدينية المختلفة المنضوية تحت

رايتها حكما إداريا ذاتيا . الجديد الذي أتى به العثمانيون هو إعطاء هذه العادة صفة القانون ، وابتكار قواعد محددة ومنظمة مما أعطى لهذا العرف صفة المؤسسة .

هذه المؤسسة ستصبح ركنا أساسيا من أركان النظام العثماني ، وجزءا لا يتجزأ من بنية الدولة . وهو ما سيعرف بنظام "الملة" الذي يختلف اختلافا كبيرا عن نظام (أهل الذمة) الذي كان يقتصر على تقنين الحقوق الدينية لغير المسلمين ، فيما يخضع لها المسلمون ، أي التشريع الإسلامي أو الشريعة الإسلامية .

نظام الملة
تقوم الدولة العثمانية على ثنائية مزدوجة : من جهة ، الثنائية الاجتماعية ، طبقة عسكرية _ رعية ، من جهة ثانية ، الثنائية إسلام سني _ مسيحية أرثوذكسية .

الطبقة الحاكمة (العثمانيون) كانت مؤلفة من الطبقة العسكرية والإدارية والتي كانت تضم رؤساء الملل الروحيين . الرعية كانت تتألف من جموع الشعوب الخاضعة للإمبراطورية وإلى أي ديانة انتمت .

هذه الثنائية التي اصطبغت بها الإمبراطورية في بداياتها انبثق عنها تلقائيا نظام الملل (الأوطان الدينية) ، حيث نجد أربع ملل : اليونانية ، والأرمنية ، واليهودية ، والملة التركية للمسلمين السنة .

كان شعوب الإمبراطورية ، بغالبيتهم العظمى ، موزعين على ملتين كبيرتين : المسيحية الأرثوذكسية والإسلامية السني .

حتى تاريخ ضم البلاد العربية ، في بداية القرن السادس عشر ، (كانت الملة اليونانية هي الغالبة عدديا) ، بعد هذا التاريخ أصبحت الملة الإسلامية هي الغالبة .
الملة المسيحية الأرثوذكسية تضم : السلاف ، والرومان ، واليونان ، وقسم من الألبان والأتراك .

نحو القرن السادس عشر وفي قمة العصر الذهبي للإمبراطورية ، من أصل "تسعة" رؤساء وزراء لسليمان القانوني ، (نجد ثمانية منهم مسيحيي المولد) .

أما الديانات والمذاهب الأخرى التي لا تنتمي إلى هذه الملل فقد اعتبرت جماعات مخالفة أو معارضة للنظام العام ومدعومة من قبل قوى أجنبية .

وقد بيّن جورج قرم في كتابه "تعدد الأديان وأنظمة الحكم" ، الصادر قبل عقدين ، التشابه القائم بين الحاضرة الإسلامية والحاضرة المسيحية فيما يتعلق بمضمون التدابير الرامية إلى تقليص نطاق العلاقات ما بين الطوائف .

فقد لاحظ أن تشدد التوحيد البنيوي يؤدي في الحالتين إلى الضغط على أولئك الذين ينكرون "الدين الحق" ويُشعرهم بعزلتهم عن حياة الحاضرة .
وبهذا الصدد يقول عوني فرسخ في كتابه "الأقليات في التاريخ العربي" : "تأثر الموقف من الشيعة بالصراع مع الصفويين ، واعترف بالدروز كطائفة مستقلة ، وحدهم العلويون

واليزيديون الذين لم يعترف لهم بشرعية المذهب ، وإن كان للجماعتين مؤسساتهما الدينية . . . . ويمكن القول إن الشيعة والدروز والإسماعيلية عوملوا بقدر من التسامح ، وإن يكن أقل من ذلك الذي حظي به النصارى واليهود ، إذ لم يكونوا يحظون بدفاع رجالات الهيئة الإسلامية لكونهم لا يضمهم مصطلح أهل الذمة" .

بكل الأحوال ، عرفت التعددية في الإمبراطورية العثمانية نوعا من التراتبية فيما يخص العلاقات ما بين الطوائف .

وهذا يسري على الجماعات الإسلامية كما يسري على الجماعات المسيحية .
هذه التراتبية بدأت ، في القرن التاسع عشر ، تنزع نحو قدر أكبر من التساوي ، أو بعبارة أدق بدأت تنزع نحو قدر أقل من عدم المساواة .

ومع ذلك فقد لاحظ البروفسور رودنسون أن هذه الطوائف لم تتخل عن صفتها الفوق وظيفية (الطائفة _ الوطن) ، ولا عن استقلاليتها تجاه الدولة ، ولا عن احتكارها ولاء وانتماء أبنائها . بل أكثر من ذلك ، فقد لاحظ أنه رغم الجهود الجبارة التي قامت بها

الإمبراطورية ، خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر ، من أجل تسوية أوضاع الطوائف الأقلية وإدخالها في النظام ، فان هذه الطوائف المسيحية كانت تشعر بانجذاب قوي تجاه

إخوتهم في الدين في أوروبا ، المنضوين في أوطان قوية ، غنية ، متقدمة وحرة . هذا الانجذاب قد تحكّم أيضا بعلاقة شيعة الإمبراطورية العثمانية بإيران الصفوية وما بعد الصفوية .

هذه الطوائف لم يكن لها في البدء حق التجمع في ملل مستقلة . تلك كانت حال المسلمين الشيعة المدعومين من إيران ، وحال الكاثوليك في هنغاريا ، وكرواتيا ، وشمالي ألبانيا ، وجزر بحر إيجه ، وصقلية ، وفلسطين ، وكذلك موارنة جبل لبنان .

وجميع هذه الطوائف الكاثوليكية التي تخضع لبابا روما ، أي لرئيس ديني مقيم خارج حدود الإمبراطورية ، كانت تتبع تنظيميا (ملة الأرمن الغريغورية الأرثوذكسية) .
أجبر تدخل القوى العظمى في الإمبراطورية الحكومة العثمانية على الإعتراف بملل جديدة :
الكاثوليك تحت حماية فرنسا ، البروتستانت تحت حماية القوى البروتستانتية مثل إنكلترا وهولندا . دون أن ننسى محاولة روسيا الحصول على حق حماية الأرثوذلا، بادعائها وراثة الإمبراطورية البيزنطية .

إن نظام الامتيازات الأجنبية هو الذي سوف ينظم الأوضاع القانونية لهذه الطوائف . فبموجب هذا النظام ، كانت الدول الأوربية تمنح بسخاء جنسيتها لغير المسلمين . مما أتاح لأبناء الأقليات أن يتملصوا من التبعية للقضاء المحلي ليغدو مرجعهم القضائي الوحيد ، في حال التنازع مع مسلم ، المحكمة القنصلية .

ومن المفيد الإشارة إلى أن التنظيم الإداري الناجم عن مرسوم التنظيمات قد ألحق هذه الملل بوزارة الخارجية المستحدثة لأول مرة في تاريخ الإمبراطورية . وكان ذلك عام 1836 .

إن نظام الملة يتطابق تماما مع فلسفة الحكم العثماني برمته ، حيث تكتفي السلطة المركزية بالحماية العسكرية لحدود الإمبراطورية ، بينما كل السلطات موزعة :

السلطة السياسية لحكام المقاطعات أو الولايات الذين ينبغي عليهم تأمين الأمن والنظام العام في ولاياتهم ومقاطعاتهم عن طريق تجنيد الفرق المحلية ، بينما السلطة المدنية

والشؤون الاجتماعية ، الدينية والثقافية هي بيد الهيئة الدينية . وهو ما أسماه جورج قرم (نظاما لامركزيا مركبا) حيث المجال الإقليمي في بعض المجالات والاختصاص المدني

مطعّم بنظام لامركزية الاختصاص الديني بالنظر إلى أن صلاحية سائر الشؤون التي لا تدخل في المجال السياسي _ العسكري يتقلدها العلماء بالنسبة للرعايا المسلمين ، والبطاركة والحاخامون بالنسبة للرعايا غير المسلمين .

أما الطوائف الإسلامية غير السنية ، فهي وإن كانت لا تتمتع بالشرعية نفسها ، فإنها تملك مؤسساتها الطائفية الخاصة بها ولا تشارك في المؤسسة الدينية السنية .

هناك العديد من الدراسات والأبحاث التي تتناول نظام الملة ، والذي هو مختلف عن نظام الطوائف ، رغم أن هذا الأخير منبثق عنه . وأغلب المفكرين والدارسين الذين عالجوا الموضوع اعتبروه مسؤولا عن مجمل المشاكل التي يعاني منها اليوم المجتمع الإسلامي

بشكل خاص . ابتداء من انتشار العصبيات المذهبية والطائفية وفتكها بالمجتمعات العربية ، مرورا بالصعوبات التي تواجهها فكرة القومية العربية ، وانتهاء بأزمة الفكر الإسلامي السياسي المعاصر .

إلا أنه وبالرغم من كل شيء ، فإننا نستطيع القول بأن الإمبراطورية العثمانية قد ساعدت ، وبفضل هذا النظام بالذات ، مختلف المناطق والجماعات ، وعلى مدى قرون ، على الاحتفاظ بخصوصيتها وأصالتها الفكرية والثقافية واللغوية ، هذه الخصوصية والأصالة اللتان ستصبحان فيما بعد أساس القوميات الناشئة .

الطبقة الحاكمة العثمانية
لقد احتل (الشعب التركي) الموقع الأهم في الإمبراطورية العثمانية ، ولكن شاركه في هذا الموقع ، وإن بنسب متفاوتة ، شعب آخر هو (الشعب اليوناني) ، أي الأرثوذلاالناطقون باللغة اليونانية . أما بقية الشعوب فقد خضعت تدريجيا لهيمنة هذين الشعبين .

إن كلمة عثمانيين لا تعني عامة الشعب . ما يقصد بكلمة عثمانيين هم أفراد الطبقة الحاكمة التي تخدم السلالة الحاكمة وأهدافها بمعزل عن الأصل العرقي أو الديني . إن افتراض وجود طبقة حاكمة إسلامية خالصة تستغل جموع الرعية غير المسلمة هو افتراض جد

خاطئ . فقد دعي المسيحيون ، وخصوصا اليونانيين ، لخدمة الدولة في مختلف المراتب الإدارية والوظائف الحكومية . وكان الأسلوب المتبع والأكثر شيوعا هو إقطاع أراض واسعة لوجهاء النظام الجديد.

حوالي بداية القرن السابع عشر ، تكوّنت في العاصمة ، حول البطريركية ، إرستوقراطية يونانية جديدة ، بدأت تحتل مواقع هامة في الإدارة العثمانية . من بين هذه الأرستقراطية كان يوجد مجموعة يسمى "الفناريين" .

خلقت هذه المجموعة لنفسها ، وتحت إشراف البطريرك ، غيتو ، شكل نقطة التقاء للمسيحيين الأرثوذلاالناطقين باللغة اليونانية . وما لبثت هذه الأقلية أن برعت في مجالين أساسيين ، هما التجارة والإدارة . وأصبحوا حاجة لا غنى عنها لاستمرار النظام . مما جعل العثمانيين يتخلون عن المبدأ القائل بضرورة أن يعتنق الإسلام كل مرشح غير مسلم

لأي منصب في الإدارة . ويقول المؤرخ الكبير توينبي : "إن الحكومة العثمانية سارت على هذا النحو قبل أن تجبرها هزيمة 1673 على القيام بذلك . فبين العام 1669 والعام 1716 احتكر الفناريون المناصب الإدارية الأربعة الكبرى في الإدارة . ونحو نهاية القرن الثامن عشر ، سار الفناريون في الاتجاه الذي سيجعلهم حتما شركاء أساسيين في التزام المزرعة العثمانية " .

إن السمة الأبرز لهذه الشراكة تتجسد في السلطات الممنوحة للبطريرك الأرثوذكسي التي جعلته يتمتع بصلاحيات لم يمارسها بطاركة الدولة البيزنطية . هذه الصلاحيات (جعلت من الكنيسة الأرثوذكسية كنيسة وطنية) .

فالبطريرك هو الوسيط الرسمي بين السلطان وكل تابعيه من المسيحيين الأرثوذلا. وهو الرئيس الروحي ليس فقط لتابعي كنيسته وإنما أيضا لتابعي كل الكنائس الأرثوذكسية المستقلة ، كالكنيسة القبطية والكنيسة الأرمينية . وعليه أن يحمي ويدافع عن الدين

المسيحي . إن وضعه القانوني شبيه بوضع وال منتخب . فهو إضافة إلى الصلاحيات التي يتمتع بها الوالي ، يتمتع باستقلالية تامة ، ولا يحكم إقليميا معين بل يحكم رعايا السلطان في أي بقعة من بقاع الإمبراطورية المديدة ، وقراراته نافذة باسم القانون (براءة التثبيت) .

خصائص الإمبراطورية العثمانية
يقول ديمتري كيسيس في كتاب مبتكر عنوانه "الإمبراطورية العثمانية" ، الصادر في باريس عام 1985 . إن القارة الأوروآسيوية ، بفعل آلاف السنين من التاريخ ، تنقسم إلى

ثلاث مناخات حضارية كبرى :
أولا : الغرب ، الذي يضم اليوم ، إضافة إلى أوروبا الغربية ، أميركا الشمالية والجنوبية ، وأستراليا ونيوزيلندا .
ثانيا : الشرق أو الشرق الأقصى ، الذي يضم : الهند ، جنوب _ شرق آسيا ، اندونيسيا ، الهند ، كوريا واليابان .
ثالثا : المنطقة الوسيطة التي تنتسب في آن واحد إلى الشرق وإلى الغرب .

ويلاحظ المؤلف في كتابه هذا ، أن عادة تقسيم القارة الأورو آسيوية إلى قارتين جغرافيتين : أوروبا مسيحية من جهة في مواجهة آسيا مسلمة من جهة أخرى ، قد حجب الرؤيا تماما عن هذه المنطقة الوسيطة .

ويرى أن النتائج الفلسفية والسياسية الناجمة عن ذلك كانت خطيرة جدا .
إذ نتيجة لذلك فإن أي تركي ليس له مكان شرعي في أوروبا بصفته آسيوي ومسلم ، وبالمقابل ، فإن أي يوناني ليس له مكان شرعي في آسيا بصفته أوروبي ومسيحي .
ويخلص الكاتب طبعا إلى أن الإمبراطورية العثمانية كانت بامتياز واحدة من الإمبراطوريات التي حكمت هذه المنطقة الوسيطة .

بكل الأحوال تتصف الإمبراطورية العثمانية بالصفات الثلاث الأساسية التالية :
أولا التعددية القومية والدينية ، ثانيا التوحيدية ، وثالثا التسامح .

أولا : التعددية القومية والدينية
إن أي إمبراطورية هي ، بطبيعتها وتعريفها ، كيان سياسي متعدد القوميات ، بل سابق لظهور الفكرة القومية . فالحديث عن (إمبراطورية وطنية هو كلام عبثي أو هرطقة فكرية) .

فالفكرة القومية كانت قطعا غير معروفة في القرن الرابع عشر . وكان النظام السياسي قائما على تأمين ولاء وطاعة السكان _ الرعايا للسلطة المركزية الإمبراطورية . وكتاب الأمير لميكيافيللي هو أكبر معبر عن ذلك .
إن الجديد في الإمبراطورية العثمانية أنها ليست فقط إمبراطورية متعددة القوميات ، وإنما أيضا متعددة الديانات .

صحيح إن الإمبراطوريات العربية _ الإسلامية ، وبفضل التسامح الذي جاء به الإسلام ، كانت تضم شعوبا تعتنق ديانات أخرى غير الدين الإسلامي ، إلا أن القانون كان محصورا بالتشريع الإسلامي . أما في ظل الإمبراطورية العثمانية فيرى أحمد عبد الرحيم مصطفى

في كتابه ، "أصول التاريخ العثماني" ، أن الشريعة الإسلامية لم تكن مصدر التشريع الوحيد أو الأساس القانوني لنظام الحكم العثماني . بل يرى أن النظام المعتمد من قبلهم كان مزيجا من (النظام البيزنطي والنظام الفارسي) _ المأخوذ عن السلاجقة _ والنظام الإسلامي .

ويضيف بأنه لم تكن للقاضي الشرعي سلطة على السلاطين وعبيده أفراد الهيئة الحاكمة الذين كانت لهم محاكم خاصة .

ويلاحظ بأن النظام الضريبي يؤدي في نهاية الأمر إلى أن يشارك في جباية الضرائب من الأهلين بمختلف عقائدهم جباة من المسيحيين واليهود .
في الواقع كان الدين الإسلامي موجودا في قلب الإمبراطورية العثمانية ولكنه كان تابعا لها سياسيا .

إن السمة الأكثر تعبيرا عن هذه التبعية هو الوضع القانوني والإداري والقيادي لرجال الدين بشكل عام ورجال الدين المسلمين بشكل خاص .

والذين كانوا ، وبكافة مراتبهم موظفين لدى السلطان بمن فيهم شيخ الإسلام . "فعلى الرغم من أنه لا كهنة في الإسلام إلا أن السلطة العثمانية تميزت بوجود ما يمكن اعتباره الهيئة الإسلامية . . . . . التي لم تخرج عن كونها مجرد أداة السلطنة في التعبير عن سياستها الدينية" .

أما رودنسون فقد تحدث عن وجود دين إسلامي رسمي ، سني ، حنفي ، يشكل أساس القانون العثماني _ مجلة الأحكام العدلية فيما بعد _ ، وديانات شعبية أو جماهيرية أخرى تمارسها جموع إسلامية منضوية في طوائف عدة تتمتع بمؤسستها الدينية الخاصة .

نستطيع أن نستنتج أنه إذا كان رجال الكهنوت المسيحيين يتمتعون باستقلال ذاتي قوي ، فإن رجال الدين ، العلماء المسلمين ، أصبحوا بالنتيجة"مثقفين نظاميين" أو "مثقفين عضويين" مرتبطين بإيديولوجية الدولة العثمانية وإدارتها . إنها مرحلة العصر المدرسي _ الأكاديمي للفكر الإسلامي المشغول من قبل علماء وفقهاء أكاديميين (رسميين) يتم من خلالهم سيطرة الدولة غير المباشرة على المجتمع .

فيتحولون مع ثبات واستقرار الدولة ، إضافة إلى رجال الدين في الديانات الأخرى ، إلى جزء أساسي من الطبقة الحاكمة التي ستعمل على تحصين الدولة حيث الإيديولوجيا السائدة هي داعي المصلحة العليا .

وهذا ما سيجعل من أي حركة اجتماعية _ سياسية "هراطقة" تهدد أمن وكيان الدولة .

ثانيا : مسكونية الدولة العثمانية Occumenisme
الصفة الثانية التي تتمتع بها الإمبراطورية العثمانية هي "المسكونية" وانطلاقا من المبدأ والتعريف ، إن أي إمبراطورية مسكونية هي مثل كوكب في الفضاء ، تتمتع بالاكتفاء الذاتي . وليست بحاجة إطلاقا للدخول في علاقات مع بقية الكواكب . وهي لذلك لا تملك وزارة للشؤون الخارجية مثلها في ذلك مثل الإمبراطورية الصينية المعاصرة لها .

هذه النزعة المسكونية لها ما يبررها . ذلك أن البنى السياسية ، الاجتماعية والدينية التي بناها العرب في الأقاليم المنزوعة من البيزنطيين والفرس شبيهة بتلك التي كانت قائمة في الإمبراطوريتين السابقتين .

وعندما جاء الأتراك في القرن الحادي عشر تكاملوا مع هذا العالم ذي الحضارة المشتركة والمختلفة تماما عن مفاهيم الحضارة الغربية .
وبمقدار ما لاقى مسيحيو الشرق صعوبة في استيعاب وفهم سلوك الغربيين ، لدى احتكاكهم بهم زمن الحروب الصليبية ، فإن المسلمين قد فهموا تماما الفرق ما بين المسيحيين الشرقيين والمسيحيين الغربيين .

وهذا ما يساعدنا على الاقتناع بالمقولة التي تفيد بأن (غالبية الفتوحات العثمانية كانت تتم بالتواطؤ ما بين الفاتحين وسكان المناطق المحتلة) .

هذا التواطؤ الناجم عن مشاعر الود التي يكنها للعثمانيين رعايا القوى المعادية .
"كانت الإمبراطورية العثمانية في بداياتها ، تبدو كمستعمرة نباتية ، رابطة أو جمعية تنمو بشكل مطرد ، أكثر مما هي إمبراطورية بالمعنى التقليدي للكلمة حيث قوم من الغرباء يسيطرون على الأهالي الخاضعين المغلوبين على أمرهم" .

ثالثا : التسامح
عن التسامح هو قضية حياة او موت بالنسبة لدولة إمبراطورية ، بغض النظر عن صفات العاهل أو الشعب المسيطر داخلها . إن خرق هذه القاعدة حتما إلى موت هذه الإمبراطورية مهما عظمت صفات قادتها .

إن خصوصية الدولة العثمانية الكوزموبوليتية أنها متعددة الثقافات . شرعية الدولة واستمرارها بالنسبة لرعاياها نابعة من الضمانات التي تؤمنها لحماية استقلالية هذا التنوع الثقافي ، سواء أكان ذلك على صعيد علاقة الجماعات فيما بينها ، أو على صعيد علاقة كل جماعة على حدة مع السلطات العليا أي الباب العالي .

هذا الأخير لكي يؤمن التوازن المسكوني اكتفى بمراقبة المجتمع عن بعد ، دون أن يؤكد ذاته كممثل لخصوصية محلية ، إثنية أو دينية .
لذلك نلاحظ أنه بعيد زوال الدولة العثمانية بدا العالم كما كان قبل أن تتكوّن الإمبراطورية :
فسيفساء من التجمعات الدينية ، المذهبية ، الإثنية والقومية . والمثال الأبرز لعدم تأصل سلطة السلالة العثمانية في الداخل وفي الخارج يعطينا إياه التاريخ الحديث .
فبعد هروب آخر السلاطين العثمانيين عام 1922 ، إلى أوروبا ، لم تستطع السلالة العثمانية أن تتواصل كما فعلت بقية العائلات الملكية المخلوعة في أوروبا وفي روسيا .

الخلاصة
خلال القرن التاسع عشر ، أصبحت الفكرة القائلة بوجود حضارات مختلفة ، تتفاعل كل على حدة (في نطاق جغرافي محدد) ، مقبولة من الجميع .
وتحولت إلى (نظرية فلسفية مكمّلة لنظرية الدولة القومية) .

بموجب هذه النظرية كل حضرة تمتلك روحا وذاتا وتطورا خاصا .
إن البحث عن هذه الروح أو الخصوصية دفعت الباحثين إلى التخلي عن دراسة العصور الحديثة للتعمق في دراسة الأنظمة الكلاسيكية .

هذا التوجه يعتبر أن الذاتية أو النواة الأساسية بكل حضارة تقع في ( دائرة الدين ) حيث كل شيء ينطلق من هناك .
ويعطي أيضا للغة أهمية كبرى ، فلكل لغة دور مركزي ، ويفترض بكل شعب أن يتماثل مع لغته .

الأعراق أيضا اعتبرت من العناصر البالغة الأهمية في تكوين الخصائص المميزة لكل شعب .

إن القرن التاسع عشر غيّر العالم أكثر مما غيرته كل العصور السابقة مجتمعة .
ظهر العالم وكأنه يسير نحو حال أفضل وأكثر حضارة .
ولقد لعب الغرب دورا رائدا في هذا المجال .
لا شك أنه سيطر على العالم بفضل سياسته واحتكاره للقوة المادية التي أمنتها له الصناعة .
ولقد اجتاحت المفاهيم السياسية والاقتصادية للغرب ، كفكرة الدولة القومية ومفهوم الحرية والديمقراطية ونظرية قيام المؤسسات الدستورية الضامنة لهما والفصل بين السلطات ، وثورات سائر الشعوب الطامحة والتي كانت ترزح تحت نير أنظمة الحكم الإمبراطوري




الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
زمان الصمت
عضو ملكي
عضو ملكي



عدد المساهمات : 1478
نقاط : 1522
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 26/04/2013

الدوله العثمانيه والتركيه Empty
مُساهمةموضوع: رد: الدوله العثمانيه والتركيه   الدوله العثمانيه والتركيه Emptyالخميس مايو 02, 2013 4:00 pm

مشكور يعطيك العافيه على هل المعلومات المفيده
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله الحوراني
عضو شرف مميز
عبدالله الحوراني


عدد المساهمات : 948
نقاط : 1412
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 16/04/2013

الدوله العثمانيه والتركيه Empty
مُساهمةموضوع: رد: الدوله العثمانيه والتركيه   الدوله العثمانيه والتركيه Emptyالخميس مايو 02, 2013 4:02 pm

مشكور على هذ الطرح
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الدوله العثمانيه والتركيه
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» وثيقة دفن الدوله العثمانية
» الزنكيون او الدوله الزنكيه
» اللغه التركيه العثمانيه
» ماذا تعني الاشارات العثمانيه

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
كنوز ودفائن الماضي  :: المواضيع العامه المتنوعه :: التاريخ والحضارات-
انتقل الى: